سُؤالُ المَلِكِ: أيْنَ ثَـــرْوَةُ الشَّعـْب؟ الجَوابُ: اخْـتَطَـفَـها خُدَّامُ الدَّوْلة؟
[color=#cc0099]نــورالدين بــرحيلة:[/color]
أينَ الثَّـرْوة؟ وهلِ اسْـتفَادَ مِنها جميع ُالمغاربة، أم أنَّها همَّتِ بعض الفئات فقط؟" أسئلةٌ عميقةٌ طرحَها الملك محمد السَّادس في خِطاب الذِّكرى الخامسة عشر لـتَولِّي سُدّةَ الحُكم في المغرب، وبموضوعية نزيهة وبعيدا عن التأويلات الذاتية، فالجواب كالتالي:
أين الثروة؟
للأسَف الشّديد، ومنذُ الاستقلال تَعاقب العَديدُ من المسؤولين والنَّافذين على نهب واحتكار ثروات المغرب، من رجال دولةٍ (مدنيون وعسكريون) ورجال أعمال يـَسبَحُون في فلك المخزن، ونُخَبٍ سياسية واقتصادية ودينية… وشكَّل الرِّيعُ المخزني أسلوبا تاريخيا تمتدُّ جذورُه لقرون طويلة لظاهرة الحكم السلطاني في المغرب، لمكافأة المخلصين من "خدام الدولة الأوفياء".
هذا الرِّيعُ السياسي كانت له أسبابه المقبولة التي تُبَرِّرُهُ في العهد السابق، وإن لم تكن معقولة، َفِي زمن الراحل الحسن الثاني، وبسبب المُعارضة المناوئة للمؤسَّسة الملكية (أعداء الداخل)، زيادة على خصوم الوحدة الترابية (أعداء الخارج)، سيلجأُ النِّظام إلى تحصين خدام الدولة ضد كل الإغراءات المادية المُفـترضة، عِلما أن ثمة مسؤولين في تلك المرحلة اتصفوا بالوطنية والنزاهة والعفة في التعامل مع المال العمومي، وهي نُقطة لا بد من ذكرها للإنصاف وللتاريخ.
الرِّيعُ مرفوض في عهد محمد السادس:
المؤسسة الملكية اليوم، أصبحت مُحَصَّنة بإجماع المغاربة المُدركين لأهمِّيتِها القصوى في استقرار واستمرار وحدة وسيادة المغرب وتماسك النسيج الاجتماعي المغربي، وبالتالي لا داعي للمزايدات في هذه المسألة.
نعم المغاربة يحترمون ويُحبُّون الملك محمد السادس لتواضعه وطيبوبته وإنسانيته، وتبنِّي الملك لخيار الملكية البرلمانية الدستورية، كاختيار ديمقراطي لا رجعة فيه، دليل على تشبُّعه بالقيم الديمقراطية الحداثية، ورغبته الحَثيثة في تشْيـيد دولة الحق والقانون، وبناء دولة المؤسسات، والحسم مع دولة الأشخاص، وضدَّا على المزاعم التي قد يُروِّجُها بعض المقربين من المحيط الملكي، كالترويج لانتماء الملك لحزب الأصالة والمعاصرة مثلا، سيقطع الملك الطريق على كل هذه الإشاعات المغلوطة، باعتبارها ادّعاءات عارية من الصِّحة، حيث سيُقولُ الملك في خطاب الذكرى الستين لثورة الملك والشعب:
"إن مصارحتي لك، شعبي العزيز، في هذا الشأن، منبثقة من الأمانة العليا التي أتحملها في قيادتك، ذلك أن خديمك الأول، لا ينتمي لأي حزب ولا يشارك في أي انتخاب. والحزب الوحيد الذي أنتمي اليه، بكل اعتزاز، ولله الحمد، هو المغرب، كما أن المغاربة كلهم عندي سواسية دون تمييز، رغم اختلاف أوضاعهم وانتماءاتهم. إذ لا فرق بين رئيس بنك وعاطل، وربان طائرة وفلاح ووزير. فكلهم مواطنون، لهم نفس الحقوق، وعليهم نفس الواجبات".
الملك محمد السادس يُصرِّحُ إذن أن المغاربة سواسية، كلهم مواطنون من نفس الدرجة، لهم نفس الحقوق، وعليهم نفس الواجبات، والمغاربة شَعـْبٌ حُرٌّ، والشعب الحُرُّ ليس لدَيْه أسياد، "أسياد الدولة" أو "خُدَّام الدولة" يلهثون وراء مصالحهم الشخصية، فيأخذون رشاوى ضخمة لتفويت صفقات غير قانونية، أو الاستفادة من امتيازات عقارية..، على غرار الفضيحة الأخيرة "فضيحة تجزئة خدام الدولة"، والتي تُعَـبِّرُ عن السُّقوط الأخلاقي والقانوني للمتورطين في الاقتناء الصُّوري (والاقتناص الحقيقي) لبُقع أرضية في أرقى مناطق الرباط بأبخس الأثمنة، وهو ما يندرج ضمن الجرائم المالية، وتكريس الفساد المالي، الذي كرَّر الملك في العديد من خُطبه ضرورة مكافحته، ويُمكِنُ اعتبار خطاب الذكرى الـ61 لـ"ثورة الملك والشعب" ثورة في خُطب المؤسسة الملكية، فبعد التساؤل الإشكالي في خطاب العرش: – أين الثروة؟ يقول الملك محمد السادس في خطاب الثورة: "اللحاق بركب الدول الصاعدة لن يتم إلا بمواصلة تحسين مناخ الأعمال، ولاسيما من خلال المضي قدما في إصلاح القضاء والإدارة، ومحاربة الفساد، وتخليق الحياة العامة، التي نعتبرها مسؤولية المجتمع كله، مواطنين وجمعيات، وليست حكرا على الدولة لوحدها".
هكذا يحُـثُّ الملك المغاربة قاطبة على محاربة الفساد، وإلا فإن المغرب سيخْلِفُ موعده مع التاريخ، لذا فمحاربة جميع مظاهر الفساد مسؤولية الجميع، لكن في إطار دولة القانون والمؤسسات، بمعنى أن الحرب على الفساد، يجب أن تكون ضمن المرجعية القانونية..
ومادام المَلكُ أقـرَّ بوجود الفساد في مفاصل الدولة، وطالب المغاربة بالتصدي له، لا يُمْكِن لأحد أن يكون مَلَكِيا أكثر من الملك، ويدَّعى أن الحديث عن فضيحة تجزئة "خدام الدولة" هي من باب تصفية الحسابات وتسخين الانتخابات..، وعلى المسؤولين أن يدركوا أنهم "خُدّام الشعب" وليسوا "أسياده"، ولهم في ملك البلاد المفدَّى الإسوة الحسنة، الملك الذي يَصِف نفسه دائما بالْخَدِيم الأَوَّل للشعب المغربي، ودشَّن العديد من الأوراش التنموية وقام بالكثير من الزيارات الميدانية للمدن والقرى النائية ومشى في الأوْحَال، وتحسَّر على مظاهرالفقر والهشاشة، وأطلق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أفشل مشاريعها بعض المسولين في وزارة الداخلية، وطالتها العديد من الاختلالات…. لهذا السبب يُحِبُّ المغاربة الملك محمد السادس، لأخلاقه السامية وتواضعه الكبير، ويكرهون بعض المسؤولين لاستكبارهم واستعلائهم وانْتِهازِيتِهم، خصوصا عندما يُقيمُ أولئك الوُصوليون زواجا غير شرعي بين النفوذ والمال، لكونه أخْطَرُ شبكات "الرِّيع المُرْعِبَة".. وللموضوع عودة.