سلطة الحلول كحل أفضل في ظل الخيار الأسوأ لتقوية دور الولاة في مجال الاستثمار بالمغرب
أصوات نيوز- أسامة شنفار
في مقاربة هذا الموضوع المهم؛ المتعلق بسلطة الحلول كحل أفضل في ظل الخيار الأسوأ لتقوية دور الولاة في مجال الاستثمار بالمغرب؛ ننطلق من السؤال الجوهري التالي: هل مكانة ولاة الجهات، كممثلتين للسلطة المركزية، توازي دورهم على المستوى الجهوي والإقليمي والمحلي في مجال الاستثمار؟
في إطار الإصلاحات الدستورية التي انطلقت منذ إقرار دستور العام 2011؛ وفي إطار تنزيل وتصريف فلسفة وروح الدستور على أرض الواقع الملموس؛ حتى لا تبقى حبيسة التّمدّح والمدح؛ مما يتطلب تقوية سلطة الولاة والعمال في هندسة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة والبيئية؛ على المستوى الجهوي، والإقليمي والمحلي.
فطبقاً لمقتضيات الفصل 145 من الدستور: “يمثل ولاة الجهات وعمال الأقاليم والعمالات، السلطة المركزية في الجماعات الترابية.
كما يعمل الولاة والعمال، باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، ويمارسون المراقبة الإدارية.
وأيضاً يساعد الولاة والعمال رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية.
كما يقوم الولاة والعمال، تحت سلطة الوزراء المعنيين، بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية، ويسهرون على حسن سيرها.”
لكن هل هذه الاختصاصات والصلاحيات يمارسها ولاة الجهات بشكل لا يثير أية مشاكل أو رفض من طرف من تمارس عليهم هذه السلطات؟
كيف يتم التصدي لحالات تقاعس أحد رؤساء الجماعات الترابية عن القيام بمهامه، أو تقاعس ورفض أحد ممثلي المصالح الخارجية للوزارات الإقليمي أو الجهوي؛ عن القيام بمهامهم وعدم الامتثال لسلطة التنسيق والتوجيه والتنظيم والمراقبة والتقييم؛ المخولة لولاة الجهات وعمال الأقاليم والعمالات؟
لنأخذ الشق المتعلق بتمثيل ولاة الجهات للسلطة المركزية في الجماعات الترابية ، ففي إطار التنزيل الإجرائي لهذا التمثيل؛ نجد ما تنص عليه مختلف القوانين التنظيمية المتعلقة بالجهات، والعمالات والأقاليم، والجماعات.
وهنا نستحضر المادة 75 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، التي تنص على أن: “إذا كانت مصالح الجهة مهددة لأسباب تمس بحسن سير مجلس الجهة، جاز للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية من أجل حل المجلس.”
وكذلك المادة 79 التي تنص على أنه: “إذا أقر الحكم القضائي حالة الامتناع؛ جاز للوالي الحلول محل الرئيس للقيام بالأعمال التي امتنع هذا الاخير عن القيام بها.”
وكذلك الأمر بالنسبة لمجالس العمالات والأقاليم؛ الاختلاف فقط في آجال الإحالة على القضاء.
• لكن الإشكال في كلمة: (جاز).. والنص بالصيغة الفرنسية، جاء فيه:
Lorsque la décision de justice constate ledit état d’abstention, le gouverneur peut se substituer au président dans l’exercice des actes que ce dernier s’est abstenu d’exercer.
فقد تحيل لدى البعض أنه ليس هناك ما يجبر ولاة الجهات وعمال الأقاليم والعمالات على إعمال سلطة الحلول هاته (Peut)؛ وكأنه من باب الاسْتِحْبابِ فقط؛ دون وُجُوب الفَرْض واللُّزوم. وقد تذهب الدلالة لدى البعض أن الجواز هو من باب التخيير بين الفعل والترك. في معجم لسان العرب لابن منظور: فعل أجاز يجيز؛ جَوازًا؛ والجمع إجازات. تَعَدَّاهُ وَخَلَّفَهُ.
وجاز الشيء؛ معناه: أصبح نافذاً أو حاز قوة الشيء المقضي به وتعني أيضًا الإذن والإباحة. وأجازَ الأمرَ؛ معناه: أمضاه وأنفذه. وأجازه: أنفذه، وأجزته: أنفذته. ومن مرادفات جاز؛ نجد مصطلح «إِحْلال» و«تَسْويغ» و«مَأْذونِيَّة» و«سَمَاح» و«إذناً» لتفادي هذا الشْوَيَّة غموض؛ سارعت بوزارة الداخلية؛ المديرية العامة للجماعات الترابية؛ إلى توجيه مذكرة توضيحية تحمل رقم: D4بتاريخ 18 يناير 2019؛ تحدّد معنى مصطلح «جَازَ» (Pouvoir) الواردة في المادة 79 من القانون التنظيمي رقم: 111.14 المتعلق بالجهات، والمادة 77 من القانون التنظيمي رقم: 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، ثم المادة 76 من القانون التنظيمي رقم: 113.14 المتعلق بالجماعات؛ حول تحديد كيفيات حلول سلطة المراقبة الإدارية محل رؤساء مجالس الجماعات الترابية؛ باستخدام مصطلح: «وَجَبَ» (devoir) «إذا أقر القضاء وجود حالة الامتناع؛ (وَجَبَ) على ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم الحلول محل رئيس مجلس الجماعة الترابية المعني للقيام بدله بالأعمال التي امتنع عن القيام بها. وذلك في حدود ما حدده منطوق الحكم القضائي.» والأمر المُوجَبٌ؛ معناه: لاَ يَحْتَمِلُ الاسْتِفْهَامَ وَلاَ النَّفْيَ وَلاَ النَّهْيَ، أَيْ مُؤَكَّدٌ. والوَاجِبُ: هو اللازم، والملزم وما يَتحتّم على الشّخص أن يفعله، مَا يُقَابِلُ الْجَائِزَ والمُمْكِنَ وَالمُمْتَنِعَ.
– الوَاجِبُ: (في عُرف الفقهاء) هو ما يُثابُ بفعله؛ ويُعاقَبُ على تركه. وهو الفعل على وجه الحتم والإلزام بحيث يأثم تاركه. ووَجَبَ الشيءُ يَجِبُ وُجوباً أَي لزمَ وأَوجَبهُ هو، وأَوجَبَه اللّه، واسْتَوْجَبَه أَي اسْتَحَقَّه وفرضه.
فلعب هذه الأدوار المتمثلة في دور: المنسق والمراقب والموجه والممثل لهذا الدور في هندسة التنمية الاجتماعية والعدالة المجالية، وخلق الجاذبية، وتشجيع الاستثمار؛ (وَجَبَ) على ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم؛ إعمال سلطة الحلول؛ على اعتبار أن الحل؛ يكمن أحيانا في الحل. وهو حل أفضل في ظلّ الخيار الأسوأ، وعند الأزمة، وسيادة حالة الفراغ.
وقد أحسن المشرع صنعاً لما خول ولاة الجهات وعمال الأقاليم والعمالات، سلطة تنفيذية في مجال التأشير على بعض مقررات مجالس الجماعات الترابية.
أما بخصوص الشق المتعلق بوجوب سلطة الحلول محل ممثلي المصالح الخارجية الممثلة للوزارات؛ فقد تطرح العديد من المشاكل والعراقيل في انسيابية إنفاذ الكثر من القرارات المتخذة على المستوى الجهوي والإقليمي والمحلي؛ لكن تبقى في بيت العنكبوت، أو في حفرة السلحفاة؛ لدرجة أنها تحتاج إلى إدارة خاصة لتدبير مآلات تلك القرارات المتخذة.
فعلى مستوى (اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار) التي تعتبر القلب النابض للاستثمار؛ بحيث أنها هي المسؤولة عن المعالجة المندمجة، والشاملة، والحصرية، والموحدة، والمتكاملة، لمختلف ملفات الاستثمار، وطلبات التراخيص على المستوى الجهوي. وتبت اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار في جميع القرارات الإدارية الضرورية لإنجاز مشاريع الاستثمار، وفق الشروط والمساطر المحددة بموجب النصوص القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل، وتتميز هذه اللجنة بالتفرد في اتخاد مقرراتها، وفي تنسيق محكم في الإجراءات الإدارية، على عكس ما كان عليه الأمر في السابق في اللجان والهيآت التي كانت مكلفة بتدبير ملفات الاستثمار؛ قبل دخول القانون (47-18) حيز التنفيذ؛ حيث تتخذ اللجنة الجهوية قراراتها بأغلبية الأصوات لأعضائها الحاضرين.
لكن ماذا لو أن رئيس اللجنة الجهوية للاستثمار، الذي هو الوالي؛ صادف أن أحد الأعضاء يتقاعس، أو حتى يرفض؛ القيام بواجبه في الأجل المحدد قانوناً، بعد أن حصل على الرأي الإيجابي المطابق من طرف اللجنة الجهوية للاستثمار.
وبالتالي إذا جاء قانون معين بهذا الخصوص وحمل معه كلمة (جَازَ) فقط؛ فإنه لن يكون هناك دور يوازي مكانة الولاة والعمال كممثلين للسلطة المركزية.
وأحياناً قد نجد العكس؛ ماذا لو أن أحد ولات الجهات وعمال العمالات والأقاليم؛ رفض إنفاذ المقرر المتعلق بالاستثمار؟ هل تتدخل اللجنة الوطنية للحلول محل الوالي أو العامل؟
تخضع مقررات اللجنة الجهوية للاستثمار؛ لعملية طعن استعطافي أمام والي الجهة؛ الذي يحيل الطعن على أنظار اللجنة الجهوية داخل أجل 10 أيام من تاريخ التوصل بالتظلم، كمستوى أول، وأمام اللجنة الوزارية للقيادة؛ لكن وينبغي أن تخضع إجراءات الاستئناف كدرجة ثانية من افرص أمام المستثمر، لضوابط تضمن حقوق المتظلم؛ خاصة عنصر تعليل القرارات الإدارية في حالة الرفض. وهنا يمكن أن يظهر الدور الإيجابي لسلطة الحلول للوالي، خاصة إذا اقتنع بجدية وقانونية التظلم، وبالتالي يجب عليه الحلول محل القرار السلبي بالرفض الصادر بالأغلبية عن أعضاء اللجنة الجهوية للاستثمار، مع استبعاد عنصر التواطؤ في القرار. وكذلك الشأن بالنسبة للجنة الوزارية للقيادة التي قد يلجأ إليها الطاعن بالاستئناف في حالة تشبته بحقه. وبالتالي إعادة النظر في تصنيف اللجنة الوزارية التوجيهية الحالية؛ إلى لجنة استئناف، تحت رئاسة رئيس الحكومة لضمان استقرار واستمرار الاستثمار؛ وتحقيق التنمية.
• استراتيجيات وشروط خلق الجاذبية للاستثمار على مستوى الجهة:
خلق الجاذبية للاستثمار من قبل الجماعات الترابية، خاصة على مستوى الجهة، يعتبر أمرًا حيويًا لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة؛ والجماعات الترابية الأخرى التابعة لها، ولتحقيق ذلك، يمكن للجهة اتباع العديد من الاستراتيجيات، ومنها ما يلي:
توفير بنيات تحتية مناسبة: فمن أجل خلق الجاذبية، يتطلب الأمر وجود بنية تحتية جد متطورة وفعالة لإغراء الاستثمارات، ومنها: العمل على إصلاح وتأهيل الشبكات الطرقية، وشبكة المواصلات، والشبكات الكهربائية والمياه والصرف الصحي والاتصالات، وخلق مناطق صناعية مجهزة لاستيعاب الوحدات الصناعية والإنتاجية.
تطوير السياسات والتشريعات القانونية الاستثمارية؛ من خلال وضع سياسات وتشريعات تشجع على الاستثمار، والعمل على تغييب كل ما من شأنه أن يولد الشعور بالتخوفات، لأن الاستثمار يقوم على أساس ركوب المخاطر. ومما يحد من التوجسات والعزوف عن الاستثمار؛ توفير الحوافز المالية والضريبية، وتسهيلات التصاريح، وتبسيط الإجراءات الإدارية، والحصول على مختلف التراخيص لمزاولة النشاط الصناعي أو التجاري.
خلق الجاذبية؛ يقوم أيضاً على خلق استراتيجية التواصل مع المستثمرين المحليين والدوليين؛ منزهات تعزيز العلاقات، وتوجيه الدعم للمستثمرين المحليين، وكذا الدوليين؛ والذي له تأثير كبير على جذب الاستثمارات إلى الجهة.
عملية الجذب؛ تقوم كذلك على عنصر تقديم الدعم للشركات الناشئة، والمقاولات الصغرى والمتوسطة، عبر تقديم الدعم المالي، والتقني والتدريبي للشركات والمقاولات الصغيرة والمتوسطة، لما له من تأثير كبير على جذب الاستثمارات الجديدة للجهة، وخلق فرص العمل المحلية.
تطوير المجتمع المحلي وجودة الحياة؛ من الشروط الرئيسية المطلوبة في الجاذبية؛ بحيث يشترط العديد من المستثمرين جودة الحياة المرتفعة للموظفين، والعمال، في الجهة المراد خلق الاستثمارات بها، لذلك على الجماعات الترابية العمل قدر الإمكان، العمل على تطوير المجتمع المحلي من خلال توفير مختلف الخدمات العامة المناسبة، لتحقيق الرفاهية؛ كجودة التعليم، والصحة، والسكن اللائق، ومساعدة الفقراء والمحتاجين والمهمشين من خلال شبكات التأمين الاجتماعي؛ بحيث أن المستثمر لن يركب المخاطر بمنطقة لا يتحقق فيها الأمن بمعاييره الوظيفية والمعيارية.
ومن أهم الأمور التي تخلق الجاذبية للاستثمار؛ وجود جهاز أمني وقضائي فعال؛ من أجل تحقيق الأمن القانوني والقضائي.
ومن ضمن شروط خلق الجاذبية، الترويج والتسويق للفرص الاستثمارية المتاحة في الجهة؛ وذلك من خلال المشاركة في المعارض الجهوية والوطنية، والمؤتمرات والندوات الدولية الاستثمارية، واستخدام كل وسائل التواصل الاجتماعي والإعلانات والإشهار… وغيرها.
فباستخدام هذه الاستراتيجيات وغيرها، يمكن للجماعات الترابية خلق جاذبية قوية للاستثمار؛ خاصة على مستوى الجهة، حيث التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي، يقوم على أساس الجهوية المتقدمة؛ طبقا للدستور. من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.