خطاب العرش .. توصيات ملكية تدعو إلى تجاوز الصراعات الضيقة..
على بعد أيام من الاستحقاقات التشريعية المقبلة، الثانية في ظل دستور 2011، جاء الخطاب الملكي في الذكرى 17 لاعتلاء الملك عرش البلاد، ليقدم نظرة المؤسسة الملكية حول تفاعلات المشهد السياسي، واصفا إياه بـ "القيامة"، أمام "فقدان الجميع بمن فيهم الأحزاب والناخبون والمرشحون صوابهم".
وبعث الخطاب بالرسائل ووجه الانتقادات، ولم ينس التوصيات التي من شأنها عقلنة وتخليق الحياة السياسية في "مناسبة فاصلة لإعادة الأمور إلى نصابها: من مرحلة كانت فيها الأحزاب تجعل من الانتخاب آلية للوصول لممارسة السلطة، إلى مرحلة تكون فيها الكلمة للمواطن الذي عليه أن يتحمل مسؤوليته في اختيار ومحاسبة المنتخبين"، على حد تعبير الخطاب الملكي.
تخليق الحياة السياسية
عبد العزيز قراقي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، اعتبر أن الخطاب الملكي في ذكرى عيد العرش، "رسخ البعد الأخلاقي في العمل السياسي وضرورة الابتعاد به عن التنافس الضيق العقيم، الذي يجعله منه مسألة وجودية ينتج عنها تبادل للتهم عوض الدفاع عن الحصيلة أو اقتراح البدائل".
وأضاف قراقي أن الخطاب الملكي "سعى إلى تأطير الاهتمام بالانتخابات، بناء على مجموعة من المرتكزات"، في مقدمتها "دور المؤسسة الملكية في السهر على حماية الاختيار الديمقراطي، باعتبار الملك حكما أسمى بين مختلف الفاعلين السياسيين"، الأمر الذي يفرض عليهم، بحسب قراقي، "النأي عن توظيف المؤسسة الملكية في كل ما يمت للانتخابات أو الخصومات السياسية بصلة".
وبخصوص موضوع الانتخابات الذي حصل على قسط مهم من الخطاب الملكي، أشار قراقي إلى أن الخطاب ذكّر بأهمية المواطن في الانتخابات وضرورة شعوره بالمسؤولية الملقاة على عاتقه في إنجاح الانتخابات خاصة على مستوى حسن الاختيار، مبرزا أن "الديمقراطية بقدر ما تسمح للمواطن بالاختيار، فهي تعطيه الحق في المحاسبة وممارسة نقد السياسيين".
دعوة إلى الارتقاء السياسي
من جانبه، أشار إدريس لكريني، أستاذ القانون والعلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، إلى أن الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الـ17 لتربع الملك محمد السادس على العرش، يأتي في "مرحلة داخلية ودولية متميزة، حتمت تأكيده على رهان الانتخابات التشريعية المقبلة، الثانية بعد دستور 2011، وعلى ضرورة الارتقاء بالعمل السياسي".
لكريني أردف أن الملك "كان واضحا من حيث التأكيد على ضرورة الارتقاء بالعمل السياسي وجعل الانتخابات المقبلة مناسبة للانكباب على القضايا الحقيقية وتجاوز الصراعات الحزبية الضيقة"، مضيفا أن "الدعوة تتضمن التركيز على القضايا الوطنية وتلك المرتبطة بالشأن العام، وتطوير أداء تدبير الشأن العام في سياق المفهوم الجديد للسلطة والحكامة الجيدة".
ولم يتوقف الخطاب الملكي، يضيف الأستاذ الجامعي، عند "المكتسبات التي تحققت على مختلف الواجهات السياسية والتنموية والدستورية"، بل أبرز أن هناك "مجموعة من القضايا تتطلب المزيد من العمل والتعاون في سبيل كسب رهانات تنموية وسياسية مختلفة".
حصيلة غنية
مضامين الخطاب الذي ألقاه الملك بمناسبة حلول الذكرى 17 لتربعه على العرش، جاءت لتكشف "حصيلة غنية"، بحسب عبد الحفيظ ولعلو، الخبير في العلاقات الدولية، مبرزا (الخطاب)، في الوقت ذاته، "مواقف المغرب الثابتة والتحديات الأمنية والتنموية التي تواجهها المملكة".
وقال ولعلو إن هذه الحصيلة برزت، في جانب منها، من خلال "تشديد الخطاب الملكي على أهمية محاربة الفساد، والتي تقع مسؤوليتها على الدولة والمجتمع"، مشيرا، في السياق ذاته، إلى أن الملك محمد السادس "ذكّر في خطابه بضرورة تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة كما نص على ذلك الدستور".
وبحسب ولعلو، الذي يشغل منصب نائب رئيس المعهد المغربي للعلاقات الدولية، فإن هذه الحصيلة "برزت كذلك من خلال تذكير الملك بالمنجزات المهمة التي تم تحقيقها طيلة 17 سنة التي اعتلى فيها عرش البلاد".
مداخل إصلاحية
قراءة أخرى قدمها حميد أبولاس، الخبير في العلاقات الدولية الباحث في القانون العام بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، الذي كشف أن الخطاب الملكي "وازن بين الحقوق والواجبات الدستورية والأخلاقية، وأكد على المسؤولية الجماعية في تدبير الشأن العام وتخليق الحياة العامة والمشهد السياسي، سواء تعلق الأمر بالإصلاحات السياسية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، أو الاستحقاقات الانتخابية وصيانة الاختيار الديمقراطي".
ويرى أبولاس أن هذه المداخل الإصلاحية، التي خصص لها الخطاب الملكي حيزا مهما، هي التي "تشكل الفارق في توجهات المغرب المؤمن بالمبادئ الديمقراطية والمتشبع بالقيم الإنسانية المثلى"، مضيفا أنها "هي من تعكس حقيقة النموذج المغربي المتألق الذي بوأه موقعا استثنائيا إقليميا وقاريا وعالميا، وجعل منه شريكا موثوقا به ومثالا يحتذى به في ضمان الأمن والاستقرار".
واعتبر المتحدث ذاته أن تعاطي المغرب مع الشؤون الداخلية والإقليمية والعالمية، كما أثبت ذلك الخطاب الملكي، "لا تحكمه المواقف الظرفية والمصالح الضيقة، بقدر ما تحكمه الرغبة في البناء والتغيير، من منطلق أخلاقي واضح الرؤى، والانخراط الفعلي والعملي من أجل توفير ظروف التقدم والازدهار وتحقيق الأمن والاستقرار".