طرد القنصل المغربي في وهران.. مناورة جزائرية لصرف الأنظار عن الأزمات الداخلية

أصوات نيوز/
مرة أخرى، يجد النظام الجزائري نفسه عالقًا في حلقة مفرغة من الأزمات التي يصنعها بنفسه، محاولةً منه لإبعاد الأنظار عن التحديات الحقيقية التي تواجه البلاد. وآخر فصول هذه السياسات العبثية، قرار وزارة الخارجية الجزائرية طرد نائب القنصل المغربي في وهران، بذريعة وُصفت بأنها “تصرفات مشبوهة”، دون تقديم أي دليل أو تفسير منطقي لماهية هذه التصرفات. هذا القرار، رغم افتقاره لأي مبرر دبلوماسي واضح، ليس سوى امتداد لنهج تصعيدي اعتاد عليه النظام الجزائري، الذي يرى في المغرب شماعةً جاهزة يُلقي عليها فشله الداخلي.
لم يكن هذا القرار مستغربًا لمن يتابع سلوك النظام الجزائري خلال السنوات الأخيرة. فمنذ فترة طويلة، تبنى هذا النظام سياسة تقوم على تأجيج الأزمات الخارجية، سواء مع المغرب أو مع دول أخرى، بهدف التغطية على التدهور الداخلي الذي تعيشه البلاد. في ظل اقتصاد يعاني من ركود مستمر، وبطالة مرتفعة، وغياب رؤية اقتصادية واضحة، يجد النظام في التصعيد الخارجي وسيلة لصرف أنظار الشعب عن أوضاعه الصعبة، وإلهائه بخطابات شعبوية تروج لنظرية “العدو الخارجي”.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل لا يزال هذا النهج ناجعًا؟ وهل يمكن للنظام الجزائري أن يواصل استخدام هذه الأساليب إلى ما لا نهاية؟
تزامن هذا القرار مع حدث آخر لا يقل دلالة عن طبيعة الوضع السياسي في الجزائر، وهو الحكم بالسجن لمدة خمس سنوات على الكاتب بوعلام صنصال، بسبب آرائه التي لم تعجب السلطة. هذه الخطوة تعكس بوضوح أن النظام الجزائري لا يواجه فقط أزمة شرعية سياسية، بل إنه يعاني أيضًا من رهاب حقيقي تجاه كل الأصوات التي تجرؤ على انتقاده. فبدلًا من أن ينشغل بإيجاد حلول حقيقية لمشاكل البلاد، يوجّه جهوده إلى قمع المثقفين والمفكرين، في محاولة يائسة لإسكات أي صوت معارض.
بوعلام صنصال، الذي عُرف بكتاباته الجريئة ونقده المستند إلى حقائق تاريخية، لم يكن سوى ضحية جديدة لهذا النظام، الذي يرى في حرية التعبير خطرًا عليه، ويعتبر أي رأي مخالف تهديدًا يجب التعامل معه بالقمع والترهيب. لكن هل يمكن إسكات الحقيقة إلى الأبد؟
رغم محاولاته المستمرة للهروب إلى الأمام، يواجه النظام الجزائري تحديًا خطيرًا يتمثل في تآكل شرعيته داخليًا، حيث لم تعد سياساته تُقنع المواطن الجزائري، الذي أصبح أكثر وعيًا بالألاعيب السياسية التي تُمارس عليه. فبين قمع الحريات، والتضييق على المعارضين، وافتعال الأزمات مع المغرب، لم يعد من السهل على النظام إخفاء فشله الذريع في إدارة البلاد.
الأوضاع الاقتصادية المتردية، وتدهور الخدمات الأساسية، وغياب أي مشروع حقيقي للإصلاح، كلها عوامل تؤكد أن الأزمة في الجزائر ليست مرتبطة بعوامل خارجية كما يروج النظام، بل هي نتيجة سياسات داخلية فاشلة لم تفرز سوى مزيد من التدهور.
يبقى السؤال المطروح: إلى متى سيستمر النظام الجزائري في هذه اللعبة؟ هل يعتقد حكامه أن الشعب سيظل متقبلًا لهذه المسرحيات السياسية إلى الأبد؟ الحقيقة التي أثبتها التاريخ هي أن الأنظمة التي تعتمد على القمع وتزييف الحقائق مصيرها السقوط، مهما حاولت تأجيل ذلك.
الجزائر، كدولة وشعب، تستحق نظامًا يعالج مشاكلها الحقيقية بدلًا من افتعال الأزمات الخارجية. فسياسة الهروب إلى الأمام قد تمنح النظام بعض الوقت، لكنها لن تكون حلاً دائمًا، لأن الواقع في النهاية لا يمكن تزويره إلى الأبد
