الجزائر تتهجم على الإمارات: خطاب رسمي منفلت يكشف إفلاس النظام وعزلته الإقليمي

أصوات نيوز/
في مشهد يؤكد على حالة التدهور المتسارع في الأداء السياسي والإعلامي الرسمي بالجزائر، أقدمت القنوات العمومية الجزائرية على إطلاق حملة مسعورة ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، مستخدمة لغة عدائية شاذة تتنافى مع أبسط أعراف التواصل بين الدول، وتكشف بوضوح عن أزمة نظام لم يعد قادراً على إخفاء فشله الداخلي، فاختار التصعيد الخارجي بديلاً عن الإصلاح.
لقد تجاوز التلفزيون الجزائري الرسمي حدود اللياقة حين وصف الإمارات بـ”الدويلة المصطنعة”، وتطاول على سيادتها وتاريخها في خطاب ينضح بالتحقير والعدوانية، وهي مفردات لا مكان لها في أي خطاب دولة مسؤولة، ناهيك عن دولة تدعي الدفاع عن المبادئ والقيم. هذا التصعيد الكلامي لا يمكن فصله عن السياق العام للأزمة الجزائرية: دولة محاصرة بأزمات اقتصادية خانقة، وبمؤسسات فقدت شرعيتها الشعبية، وبجيش يحكم من خلف الستار ويبحث عن “عدو خارجي” يصرف به أنظار الشعب المغلوب على أمره.
الهجوم الإعلامي الجزائري لم يكن موجهاً فقط للإمارات، بل كان بمثابة صرخة استغاثة من نظام يتخبط في الفشل، وعاجز عن تقديم أي نموذج ناجح في الحكم أو التنمية. الإمارات التي تحولت خلال عقود إلى قوة إقليمية في الاقتصاد والدبلوماسية والتكنولوجيا، باتت تزعج نظاماً لم ينجح حتى في توفير الخبز والطاقة لشعبه رغم ثرواته الهائلة. المفارقة أن الجزائر تهاجم الإمارات، بينما شبانها يقفون في طوابير لا تنتهي للحصول على تأشيرة نحو أوروبا، ويغامرون بحياتهم في عرض البحر بحثاً عن أفقٍ غائب في وطنهم.
هذا الهجوم الممنهج لا يعبّر عن موقف الشعب الجزائري، الذي تربطه بالأشقاء العرب، وخاصة الإماراتيين، علاقات محبة واحترام وتاريخ مشترك، بل هو انعكاس لحالة الهلع التي تنتاب النظام الجزائري أمام كل دولة ناجحة، أو كل نموذج يفضح عجزه البنيوي. فمنذ متى كانت الدول تصنع مجدها عبر شتم الآخرين؟ ومنذ متى كان الإعلام الرسمي أداة لبناء الهيبة الوطنية عبر التهجم الرخيص على سيادة الدول الشقيقة؟
الاتهامات التي ساقتها الجزائر حول “التشكيك في تاريخها” تبدو سخيفة ومتناقضة. فالدولة التي تمجد “التاريخ الثوري” لم تتمكن إلى اليوم من تقديم نموذج حكم ثوري أو ديمقراطي حقيقي، بل ظلت أسيرة عسكرة السياسة ومصادرة الحريات. والحديث عن “ملايين الشهداء” لا يبرر تبني خطاب فوضوي عدائي، ولا يسمح بالتطاول على سيادة الآخرين. فالشهداء الحقيقيون لا يُستحضرون في معارك الإساءة للدول، بل يُكرَّمون ببناء دولة تحقق أحلامهم لا بخطاب متوتر يحوّل الجزائر إلى أضحوكة دبلوماسية.
الحملة الجزائرية على الإمارات ليست سوى جزء من استراتيجية منهجية لصرف الانتباه عن ملفات حارقة: انهيار الدينار، تراجع الاحتياطي النقدي، انسداد الأفق السياسي، عزلة إقليمية متزايدة، ومأزق الشرعية الذي يُطارد الحكم العسكري منذ 1962. وما دام النظام غير قادر على معالجة أزماته، فسيواصل سياسة “العدوان الإعلامي” ضد كل من يذكّره بفشله المزمن.
إن هذا التصعيد لا يهدد فقط العلاقات الجزائرية الإماراتية، بل يشكل سابقة خطيرة في تاريخ العلاقات العربية، ويُنذر بمزيد من الانقسام داخل الفضاء المغاربي والخليجي. فحين تتحول المنابر الرسمية إلى أبواق شتم وتحقير، تصبح الدبلوماسية ضحية، ويخسر الجميع. والأسوأ أن هذا النهج يفتح الباب أمام تحالفات مضادة ستجعل الجزائر أكثر عزلة، وأقل قدرة على حماية مصالحها.
في النهاية، الإمارات لم ترد على الإساءة، لأن الدول الكبرى لا ترد على “النباح الإعلامي”، بل ترد بالتنمية، بالنجاح، وبمزيد من الحضور في الساحات التي تعجز الجزائر حتى عن فهم معادلاتها. أما النظام الجزائري، فسيظل يدور في حلقة مفرغة من الارتباك والتخبط، يرفع شعارات جوفاء، ويبحث عن معارك وهمية، هرباً من مواجهة الحقيقة الكبرى: الفشل لا يُغطى بالشتائم
